برّي يلمّح لسلّة رئاسيّة – حكوميّة
يحاول رئيس حزب القوات اللبنانية إحراج الرئيس نبيه برّي الذي لا يوافق على الحوار إلا بحضور سمير جعجع، لكنّ الأخير أفتى بمعادلة: “تحاوروا وحين تنتهون ألاقيكم إلى قاعة البرلمان لجلسة مفتوحة لانتخاب الرئيس بدورات متتالية”. لكن في الساعات الماضية تراجعت الحرتقات الداخلية وتسجيل النقاط بين الأخصام أمام هول المشهد الإقليمي الذي ينبئ بحرب شاملة بأيّ لحظة بعد اشتعال المحور الحوثي-الإسرائيلي-الأميركي-الحمساوي.
في الواقع، موقف برّي يريح جداً جعجع الذي يُكرّس، برأيه، مشروعيّته المسيحية، ويستفزّ كثيراً النائب جبران باسيل الذي لا يقول في العلن ما يقتنع به فعلاً، وهو أنّ “الثنائي الشيعي” هو المعرقل الأوّل لانتخاب الرئيس ثمّ القوّات. مع ذلك في زمن التقارب بين “أمل” و”التيار الوطني الحر” تقدّم محطة “أو تي في” المحسوبة على العونيين مبادرة برّي “كأقرب الطرق إلى رئاسة الجمهورية”.
بالوقائع، في الوقت الضائع رئاسياً وفيما تتراقص المنطقة على حافة حرب، تتبلور أكثر فأكثر التموضعات الداخلية وعلى رأسها “تحديث” النائب وليد جنبلاط تفاهماته مع الحزب، وكَسر باسيل الحواجز للمرّة الأولى مع الرئيس بري تمهيداً لإرساء تفاهمات سياسية مع عين التينة، وعزل القوات اللبنانية نفسها عن معظم القوى السياسية وصولاً إلى نبش القبور مع وليد جنبلاط بعدما تلاقيا سابقاً على ترشيح جهاد أزعور والتمديد لقائد الجيش، إضافة إلى الشكّ القوّاتي الجدّي في أن يسير جنبلاط بنهاية المطاف بترشيح فرنجية للرئاسة.
لكن تبقى الخطوط المفتوحة بين باسيل وعين التينة هي الأكثر استقطاباً للاستثمارات السياسية في المرحلة المقبلة، من دون أن يحجب ذلك قناعة باسيل بأنّ ثمّة تقاطع مصالح بين حركة أمل والقوات في تعطيل الانتخابات، وإلّا فلا شيء يُفسّر تصلّب جعجع ضدّ الحوار وتشدّد برّي في عدم حصوله إلّا بمشاركة القوات!!
يذهب باسيل أبعد من ذلك بافتراض أنّ برّي والحزب قد يغرقان أيّ جلسة انتخابية يدعو إليها رئيس المجلس ولا تراعي مصلحة مرشّحهما سليمان فرنجية بعدّة مرشّحين بهدف تشتيت الأصوات، وهذا ما يردّده برّي بالعلن حين يقول نذهب إلى الجلسات بمرّشحَين أو ثلاثة أو أربعة وليفُز من ينال أكثرية الأصوات. ويأتي ذلك، برأي باسيل، بعدما كان نواب حركة أمل والحزب المُبادرين دوماً إلى إفقاد جلسات الانتخاب الـ 12 نصابها.
الموعد الضّائع
هذا الستاتيكو الرئاسي المجبول بالغموض وجمود المواقف والتموضعات المحدودة أضيف إليه عامل سلبي آخر تجلّى في عدم التقاء نواب المعارضة الرئيس نبيه برّي ولا نواب كتلته ولا نواب الحزب لعرض مبادرتهم الرئاسية المعروفة ببنودها وخطوطها الحمر.
بالتأكيد كانت رسالة قوّية من جانب الرئيس برّي دفعت أحد نواب المعارضة إلى القول: “يرفض برّي أيّ حوار من دون القوات وفي الوقت نفسه يعرقل لقاء نواب المعارضة معه ومن ضمنهم القوات”. سبق ذلك موقف جنبلاطيّ سلبي تجاه “خارطة طريق” المعارضة في مقابل موقف باسيليّ استيعابي إلى أن أتت الضربة القاضية من الطرف الشيعي.
اللقاء الذي كان محدّداً يوم الجمعة بين نواب كتلتَي المعارضة و”التنمية والتحرير” في مجلس النواب تمّ تأجيله بطلب من نواب أمل من دون تحديد موعد آخر، فيما لقاء وفد المعارضة ونواب الحزب لن يتمّ اليوم لأنه أصلاً لم يُحدّد رسمياً موعد من جانب قيادة الحزب لهذا اللقاء الذي تردّد أنّه سيعقد الإثنين.
وفق المعلومات ساهمت مواقف جعجع الأخيرة في زيادة منسوب الاحتقان على خطّ عين التينة – معراب وقناعة برّي بأنّ جعجع والمعارضة يحاولون جرّ الكتل إلى “حوار على ذوقهم وهذا ما لن يحصل”.
مع تأجيل، “الأدقّ إلغاء”، موعد كتلة المعارضة مع نواب أمل يوم الجمعة أصدر جعجع بياناً ارتكز فيه على ما أدلى به الرئيس بري من مواقف لصحيفة الأخبار، داعياً رئيس المجلس إلى تطبيق الدستور عبر الدعوة إلى جلسة مفتوحة بدورات متتالية، وواصفاً بـ “الهرطقة” كلام برّي عن “مقاربة الاستحقاق الرئاسي بتفاهم واسع يحقّق الانتقال من انتخاب الرئيس إلى تسمية الرئيس المكلّف وتأليف الحكومة”. وهو كلام يصدر للمرّة الأولى بشكل علني عن الرئيس بري، الأمر الذي يؤكّد أنّ التسوية الرئاسية المقبلة ستكون شاملة لمفاصل أساسية، من ضمنها رئاسة الحكومة وخارطة توزيع الوزارات والتعيينات الأساسية وعلى رأسها قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان.
في اليومين الماضيين كُلّف نائب “حركة أمل” قاسم هاشم بتظهير الموقف من تأجيل اللقاء: “لا يُقدّم ولا يؤخّر لأنّ المواقف معروفة والحوار الحقيقي معروف مكانه وإطاره”.
لاحقاً، أتت الأحداث لتمنح مقاطعي “الجلسة” مع وفد المعارضة المؤلّف من غسان حاصباني والياس حنكش وميشال الدويهي وبلال الحشيمي “العذر الشرعي” لتجاوز رفض اللقاء مع ممثّلي القوات والكتائب والمعارضة بعدما أعاد الدخول الحوثي على خطّ ضرب أهداف في العمق الإسرائيلي تسخين “بركان” المنطقة مع ترقّب كبير لردّة فعل الحزب واحتمال دخوله حرب “إسناد” أخرى قد تطيل أمد الحرب العسكرية، واستطراداً الحلّ السياسي.
المصدر - أساس ميديا