دعوة اممية لحل سياسي قبل نهاية آب.. و"حزب الله" يُوسّع استهدافاته
الملف الرئاسي على هامش الاولويات من الآن وحتى جلاء الصورة في المنطقة على أقل تقدير؛ يتأكّد ذلك من إخراجه كليّاً من دائرة الإهتمامات الخارجية المركّزة بكليتها نحو تطورات الحرب الاسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وكذلك من المشهد الداخلي المفسخ في كل مفاصله، واستحال حلبة تتصارع فيه تفاهات سياسية، هجّرت كلّ فرص التفاهم والتوافق والتعافي، وعرّته حتّى من الحدّ الأدنى من عناصر التحصين في وجه ما يتهدّده من عواصف. وها هي بحماقاتها وانقساماتها واصطفافاتها السياسية وغير السياسية، تكمل إجهازها عليه وتمعن في دفعه أكثر فأكثر إلى قعر هاوية لا قيامة منها.
وعلى مستوى المنطقة، الصورة في منتهى السوداوية؛ زادت في إرباكها مماطلة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أحبطت الجهود الرامية الى بلورة صفقة تُنهي الحرب في قطاع غزة وتتمدّد تلقائياً الى جبهة الجنوب اللبناني. ووسعت دائرة الاحتمالات الكارثية التي تحوم في الأرجاء الفلسطينية، بالتزامن مع تصعيد الاعتداءات الاسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة، وصولاً الى الجنوب اللبناني الذي يشهد منذ ايام ارتفاعاً خطيراً في وتيرة التصعيد.
داخلياً، كلّ ما هو مرتبط بالملف الرئاسي لا يمتّ إلى الجدّية بصلة، ومفتاح الانفراج المنشود ضائع خلف المتاريس السياسية، التي لا يجمعها سوى حلبة تضييع الوقت، تارةً بسجالات تكرّر اسطوانة الشروط والمواصفات والاتهامات ذاتها، وتارةً اخرى بطروحات وأفكار عنوانها العريض التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية، فيما هي في جوهرها ترسيخ أكثر فأكثر لنهج التعطيل، وتعميق إضافي للفجوات الفاصلة بين اطراف الصراع الرئاسي.
من هنا، وعلى ما تستخلص «الجمهورية» من أجواء رافعي لواء الحوار والتشاور الموقت للتفاهم على مرشح او سلة مرشحين، لا تعويل على الحراكات الداخلية مهما كان نوعها او مستواها، طالما انّ الجو الداخلي مسموم بإرادة تغليب الإنقسام على التوافق. وإحباط كل المحاولات الرامية اليه.
هذا الجو المسموم على طول الحلبة السياسية وعرضها، عبّر عنه مرجع سياسي بقوله لـ«الجمهورية»: «الوضع أكثر من تشاؤمي، وأكاد أقول انّ رئاسة الجمهورية صارت في خبر كان».
اضاف: «كنا امام فرصة حقيقية وجدّية لانتخاب رئيس للجمهورية، أتاحتها الوساطات الخارجية، وعززتها جهود اللجنة الخماسية، لكنها اُحبطت لا لشيء الّا لإرضاء شهوات، لتتدحرج بعدها الامور الى محاولة «قوطبة» على التوافق بطروحات اقرب ما تكون الى محاولة للهروب الى الامام، لا تتوخّى حلولاً بقدر ما تتوسل سجالات على غرار ما سُمّيت «خريطة المعارضة» الموجودة حصراً في الاعلام من باب تسجيل الموقف لا أكثر، وخصوصا انّ مبتدعيها يدركون سلفاً استحالة السير فيها، اولاً لخلوها من الجدّية، وثانياً لكونها منطلقة من خلفيات معادية للجلوس على طاولة التفاهم والتوافق، وباتت متكيّفة بالكامل مع الوضع الشاذ، وهي على ما يبدو متمسّكة باستمرار الوضع على ما هو عليه، ربما، لأنّها تخشى من ان يخفت وهجها ويضمر دورها اللذين تستمدهما من هذا الوضع الشاذ والفراغ في سدّة الرئاسة الأولى.
الخماسية: التواصل مستمر
وفيما يكرّر رئيس المجلس النيابي نبيه بري في مجالسه التأكيد على الحاجة الملحّة الى جلوس الاطراف على الطاولة للتوافق على مرشح او مرشحين يليه انتخاب حتمي لرئيس الجمهورية ضمن مهلة اقصاها عشرة ايام، أكّد أحد سفراء اللجنة الخماسية لـ«الجمهورية»، انّ «مبادرة الرئيس بري تشكّل اقرب الطرق الى انتخاب رئيس للجمهورية، ومن خلال لقاءاتنا مع كل الاطراف تأكّد للجنة الخماسية انّ نقاط الالتقاء بينها أكثر من نقاط الاختلاف، وفي الإمكان البناء عليها وصولاً الى تفاهم يفضي إلى إنهاء الأزمة الرئاسية.
ورداً على سؤال لم يؤكّد السفير عينه او ينفي أي دور جديد للجنة الخماسية، الّا انّه قال: «التشاور مستمر في ما بين اعضاء اللجنة، وكما انّ التواصل قائم مع الاطراف اللبنانيين، وفيها نؤكّد على أنّ عوامل كثيرة، ناشئة عن الظروف الصعبة التي تمرّ فيها المنطقة، نرى ضرورة كبرى في أن تحفّز اللبنانيين على أن يبادروا عاجلاً الى التقاط زمام الامور واعادة انتظام مؤسساتهم الدستورية والسياسية، وكلما عجّلوا في ذلك، ففي ذلك مصلحة اكيدة للبنان».
ديبلوماسيون: الحل السياسي
وعلمت «الجمهورية»، انّ كلاماً بهذا المعنى، تلقّاه مسؤول لبناني من شخصيات سياسية وديبلوماسية غربية التقاها على هامش فعالية دولية في عاصمة اوروبية. وبحسب المعلومات فإنّ النقاش في هذه اللقاءات تمحور حول ملف المنطقة الحدودية بصورة خاصة، وتركّز في جانب منها على الملف الرئاسي.
وبحسب ما نقلت المصادر عن المسؤول اللبناني، فإنّ تلك الشخصيات ترى في خريطة الطريق التي رسمتها اللجنة الخماسية قاعدة ارتكاز لحل رئاسي تتوافق عليه الاطراف السياسية في لبنان. والأهم من كل ذلك هو أنّه لا يوجد ايّ عامل خارجي يمنع اللبنانيين من انتخاب رئيس للجمهورية في الوقت الحالي، بل على العكس من ذلك، يرون انّ ظروف المنطقة، وما يعانيه لبنان سواء من صراعاته السياسية، او من المواجهات الخطيرة الدائرة على حدوده الجنوبية، تحتّم عليه المبادرة الى اجراءات إنقاذية، وفي سياقها يندرج اتفاقهم على انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تواكب التطورات وما قد يترتب عليها من تداعيات. فضلاً انّ مستقبل المنطقة ومن ضمنها لبنان، وما قد يرتبط بها من حلول وإجراءات، تفرض ان يكون رئيس جمهورية لبنان على طاولة البحث حول تلك الحلول والاجراءات.
واما في الشأن الجنوبي، فتنقل المصادر عن المسؤول عينه الى أنّ مقاربات تلك الشخصيات تميل الى المنطق الاسرائيلي، وتتحدث عن «حزب الله» بلغة اتهامية بإشعال المواجهات مع الجيش الاسرائيلي، الّا انّها في الوقت ذاته تعبّر عن مستوى عالٍ من القلق من اتساع وتيرة ودائرة المواجهات، وتتبنّى موقفاً واحداً خلاصته إنهاء المواجهات بحل سياسي يعزز القرار 1701، ويرسّخ الامن والاستقرار على جانبي الحدود.
واللافت في ما يكشفه المسؤول عينه، أن لا احد على دراية بماهية الحل السياسي لجبهة الجنوب، إلّا انّهم يثقون بمشروع الحل الذي طرحه الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين، وقدرته على تسويق هذا الحل مع الجانبين اللبناني والاسرائيلي.
ماذا لو تغيّر هوكتشاين؟
الى ذلك، كشفت مصادر سياسية رفيعة لـ«الجمهورية»، انّ احتمالات الحل السياسي للمنطقة الجنوبية لا تبدو ممكنة في المدى المنظور، ربطاً بتعثر المفاوضات الجارية لبلوغ صفقة تنهي الحرب بين الجيش الاسرائيلي وحركة «حماس» في قطاع غزة، من شأنها أن تلفح جبهة الجنوب اللبناني.
وبحسب المصادر، فإنّ الوضع كما تشير الوقائع الميدانية يتدرّج من تصعيد الى تصعيد أكبر، وهذا التدرّج من شأنه أن يضع صعوبات اضافية في طريق اي حل سياسي مُقترح للمنطقة الجنوبية. وقالت: «انّ مفاوضات الصفقة متعثرة حتى الآن، الّا انّ أفقها لا يبدو مسدوداً، وبالتالي قد تحصل مفاجآت في اي لحظة. ومن هنا فإنّ الوساطات الخارجية والجهود الاميركية ما زالت ترى انّ الصفقة قد تتولّد خلال الاسابيع المقبلة. ما يعني في الوقت ذاته انّ احتمالات الحل السياسي لجبهة الجنوب تصبح اكبر واسرع».
ولكن ماذا لو تعثرت هذه الصفقة بشكل كامل، واستحال الوصول اليها مع الادارة الاميركية الحالية؟ أجابت المصادر: «واضح انّ ادارة بايدن تدفع الى انجاز الصفقة، ولكن إن تعثرت، وحصلت الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الاميركية وفاز فيها دونالد ترامب، فسنكون امام ادارة جديدة قد تكون نظرتها الى الحرب في غزة مختلفة، وكذلك الى جبهة الجنوب، ومن هنا ليس اكيداً ان كان آموس هوكشتاين سيبقى في موقعه ممسكاً بملف الحدود الجنوبية والحل السياسي بين لبنان واسرائيل، والأرجح إن فاز ترامب أن يغادر هوكشتاين موقعه، وساعتئذ نعود الى نقطة البداية من جديد مع وسيط اميركي جديد على شاكلة دايفيد شينكر او ما يعادله. ولكن ما يجب ان ندركه هو انّ هذا التغيير لن يغيّر في جوهر الحل السياسي الاميركي، سواء أكان حلاً مقترحاً من إدارة اميركية ديموقراطية او من ادارة اميركية جمهورية، ذلك انّ الادارتين كليهما اولويتهما مصلحة اسرائيل. والحل المقترح من هوكشتاين يلبّي هذه المصلحة جملةً وتفصيلاً».
تحذير أممي
الى ذلك، علمت «الجمهورية» أنّ مستويات أممية تتحرّك في غير اتجاه داخلي، والغاية من ذلك على ما يقول مطلعون نقل تحذيرات حول أنّ مخاطر اتساع الحرب باتت كبيرة جداً، اسستناداً الى تقارير «اليونيفيل» التي تصرّح عن مستوى عالٍ من القلق من الخروقات العلنية للقرار 1701، ومن التطورات المتسارعة على طول خط الحدود التي تنذر بواقع شديد الخطورة على جانبي الحدود، وخصوصاً انّ ميدان المواجهات مرتبط بخطأ في التقدير او في الحسابات من هذا الطرف او ذاك.
وبحسب المعلومات، فإنّ مسؤولين أممين عكسوا تأييد الامم المتحدة وامينها العام لحل سياسي بين لبنان واسرائيل يجنّبهما حرباً واسعة بينهما، ويشدّدون على إتمام هذا الحل خلال الفترة السابقة لتمديد مجلس الامن الدولي لمهمّة قوات «اليونيفيل» في الجنوب اواخر شهر آب المقبل، لكي يأتي قرار مجلس الأمن متمماً لهذا الحل ومحصناً له. واشارت المعلومات الى أنّ مسؤولاً لبنانياً كبيراً ابلغ موفداً أممياً قوله: «انّ لبنان لا يمانع الحل السياسي من حيث المبدأ، الّا انّ البحث في هذا الحل وفي اي إجراءات حول المنطقة الحدودة، مرتبط بوقف الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة». ولكن يبدو انّ هذا الحل غير ممكن في المدى المنظور، وخصوصاً انّ الجانب الاسرائيلي يبدو مصراً على مواصلة العدوان، والدليل إفشال مفاوضات صفقة التبادل وانهاء الحرب، من قبل نتنياهو.
واشنطن: خط النهاية
وكان وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن قد قال خلال منتدى كولورادو امس: «انني اعتقد اننا على بعد بضعة امتار، واننا نتجّه الى خط النهاية للحصول على اتفاق يؤدي الى وقف لاطلاق النار ويعيد الرهائن الى ديارهم ويضعنا على سكة افضل في محاولة لبناء سلام واستقرار دائمين». مشيراً الى انّ ثمة مسائل ما زالت تحتاج الى حل.
الموفد الروسي وعملية السلام
على صعيد آخر، باشر المبعوث الخاص لوزير الخارجية الروسي إلى لبنان فلاديمير سافرونكوف لقاءاته الرسمية في بيروت، فالتقى صباح أمس رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السرايا، وتم خلال اللقاء البحث في الوضع في جنوب لبنان وفي غزة ومسار السلام المتوقف.
وشدد الموفد الروسي خلال اللقاء على «ضرورة قيام كل الأطراف بضبط النفس تمهيداً لإحياء عملية السلام، موضحاً أن زيارته للبنان، تندرج في إطار جولة له في المنطقة.
وانتقل سافرونكوف الى عين التينة، والتقى الرئيس نبيه بري، في حضور المستشار الإعلامي للرئيس بري علي حمدان، حيث جرى عرض للأوضاع العامة في لبنان والمنطقة على ضوء مواصلة إسرائيل لعدوانها على لبنان وقطاع غزة.
وزار سافرنكوف قائد الجيش العماد جوزف عون، وتناول البحث الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة.
وحسب معلومات «الجمهورية»، من المفترض أن يزور سافرونكوف اليوم وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، الذي يعود من زيارة خارجية (المجر). وأفادت مصادر رسمية تابعت الزيارة: أن الموفد الخاص لوزير الخارجية الروسية عرض التحركات الجارية في بعض العواصم، لا سيما عواصم الرباعية الدولية ( روسيا وأميركا والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) حول سبل تحريك عملية السلام، ودور روسيا المهم فيها. مؤكداً أن هذه العملية لن تتقدم من دون مشاركة روسيا.
وأوضحت المصادر أن جولة سافرونكوف شملت السعودية وستشمل إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بهدف محاولة دفع عملية السلام، لكنه لم يحمل أي مقترحات خاصة. كما تناولت محادثاته سبل تطوير العلاقات الثنائية بين لبنان وروسيا القائمة منذ أكثرمن 80 سنة.
المصدر - الجمهورية