Jul 16, 2024 7:35 AM
صحف

الإفلاس يعمّق التعطيل.. وتحذير غربي من التوترات.. والمفاوضات في دائرة الحسم

المشهد الداخلي خال من أيّ حراك على اي مستوى، سواء حول الملف الرئاسي الذي جُمِّد في ثلاجة التعطيل في انتظار ان تهبّ نسمة ساخنة تذيب جليد التناقضات الداخلية، او حول جبهته الجنوبية المعلّقة سخونتها وبرودتها على تطوّرات الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة. ما خلا زيارة لبعض النواب الاميركيين المتحدّرين من اصل لبناني، الى بيروت، في سياق زيارات تقليدية سنوياً لاجراء لقاءات استطلاعية مع بعض المسؤولين.

سياسياً، الواقع الداخلي يتدرّج من سيّئ إلى أسوأ، وكائناته السياسية ماضية في الدفع به نزولاً، ولا تتلاقى حتى على أبسط البديهيات والاولويات، وقرارها على ما بات واضحاً للقاصي والداني، الإمعان في بث سموم الشحن والتحريض وتوسيع هوة الانقسام السياسي والطائفي والمذهبي حتى المناطقي، وتعميق حفرة التعطيل الرئاسي اكثر فأكثر، وإبقاء البلد مقيّداً في أسفل القعر، غير عابئة بأنّ هذا البلد يقترب شيئاً فشيئاً من أن يلفظ انفاسه.

إفلاس رئاسي

ولعلّ أصدق توصيف للوضع الرئاسي، عّبر عنه أحد كبار المسؤولين بقوله رداً على سؤال لـ«الجمهورية»: «دعني أقل لك، الحديث عن ايجابيات ممكن أن يتمّ الوصول اليها حول الملف الرئاسي، هو ضرب من الغباء، إذ كيف يمكن توقع ايجابيات ولو شكلية من واقع سياسي يعاني الإفلاس بالكامل. وقمّة هذا الافلاس تتجلّى في أنّ بعض الاطراف توهم نفسها انّها حققت انتصاراً بتعطيل المبادرات والوساطات التي ترمي الى توافق على انتخاب رئيس للجمهورية. وهذه مع الأسف حالة مرضية مستعصية لا دواء لها».

واشار المرجع الى انّه «لو كانت ثمّة نيّة حقيقية وجدّية لانتخاب رئيس للجمهورية لتمكنّا من انجاز هذا الاستحقاق منذ سنة واكثر. حاول الفرنسيون مساعدتنا، وكذلك فعل القطريون، ثم تجنّدت اللجنة الخماسية لبلورة حلّ رئاسي، وكلّها أُحبطت، وإن سألتني اليوم ما اذا كانت ثمة محاولات من اي طرف خارجي لبلورة مخرج رئاسي، فأقول لك لا يوجد لا مبادرات ولا من يحزنون. وقد أُبلِغت شخصياً من «الخماسية» بأنّها أدّت قسطها ولا جديد لديها تقدّمه. ما يعني اننا عدنا الى البدايات. واخشى ان اقول اننا عدنا الى ما قبل نقطة الصفر».

ورداً على سؤال عن الفترة التي قد نمكث فيها في مربع الصفر قال: «في أحسن الأحوال انا لا ارى عودة للنقاش في الملف الرئاسي قبل انتهاء الحرب. اما متى ستنتهي هذه الحرب فالعلم عند الله، وحتى ولو انتهت الحرب هل سنتمكن مع استمرار جو التناقض القائم، من الاتفاق على انتخاب رئيس. أشك في ذلك».

فرصة متاحة

الى ذلك، علمت «الجمهورية» انّ نصيحة غربية متجدّدة أُبلغت الى معنيين بالملف الرئاسي، تؤكّد انّ الفرصة ما زالت متاحة امام الاطراف السياسية في لبنان لبلورة توافق سياسي ورئاسي في آن معاً.

وبحسب المعلومات، فإنّ هذه النصيحة جاءت على لسان سفير دولة غربية كبرى خلال لقاء في الايام الاخيرة جمعه مع مستويات سياسية وحزبية لبنانية، حيث عبّر عن قلق مزدوج حيال المشهد اللبناني، الأول من الوضع القائم في منطقة الحدود وتصاعد المواجهات بين «حزب الله» واسرائيل، مبدياً ما وصفتها مصادر المعلومات «خشية اكثر من جدّية» من أنّ الوضع المتوتر في الجنوب معرّض للتدحرج الى منزلقات اكثر دراماتيكية وخطورة، حيث انّ من شأنها أن تثير مخاوف كبرى على لبنان الذي لا يحتمل أن يُمنى بأي خسائر تُضاف الى وضعه الاقتصادي والمالي الصعب.

واما المصدر الثاني للقلق الذي عبّر عنه السفير المذكور، كما تقول مصادر المعلومات، فهو الوضع السياسي الذي يشهد انقساماً خطيراً، وارتفاعاً ملحوظاً في حدّة السجالات والتباينات، سواء السياسية وغير السياسية (ملمحاً الى الشحن الطائفي). وقال ما مفاده: «إنّ استمرار هذا الامر سيلحق ضرراً كبيراً جداً في لبنان ويهدّد استقراره السياسي وغير السياسي، وكلنا نعلم انّ الوضع الطائفي في لبنان ليس سليماً، وللبنان تجارب خطيرة في هذا المجال، وهذا ما ينبغي أن يلتفت اليه اللبنانيون. ومن هنا نصيحتنا لكل الاطراف الّا تنتظر ما ستؤول اليه الحرب، بل المسارعة الى محاولة بناء نوع من الالتقاء الداخلي، وتخفيف مستوى التوترات، والاتفاق عاجلاً على إنهاء الازمة الرئاسية على اوسع مساحة من التوافق. و«اللجنة الخماسية» حدّدت المسار في هذا الاتجاه الذي نرى وجوب سلوكه، بما يعيد للبنان انتظام رئاسته ومؤسساته السياسية والدستورية، ويجعله قادراً على احتواء اي تطورات او اي تداعيات قد تحصل».

الفرنسيون حاضرون

على أنّ ما يلفت الانتباه في هذا السياق، هو «أنّ مشاركين في الاحتفال الذي اقامته السفارة الفرنسية في بيروت امس الاول، لمناسبة العيد الوطني، سمعوا خلال مداولات جانبية على هامش المناسبة ما يؤكّد أنّ فرنسا لن تترك لبنان، وعلى التزامها بالروابط التاريخية مع هذا البلد. وسياستها تجاهه لن تتبدّل او تتأثر بالمتغيّرات السياسية والنيابية التي شهدتها مع الانتخابات النيابية، بل يبقى في رأس قائمة اولوياتها. وهو ما قد يُترجم في الآتي من الأيام بحضور فرنسي متجدّد على اكثر من صعيد في لبنان، سواء ما يتصل بالجهود المرتبطة بالملف الرئاسي، او ما يتصل بالوضع المتفجّر على حدود لبنان الجنوبية، والمسعى الفرنسي الرامي الى منع توسيع الحرب الى مواجهة خطيرة بين لبنان واسرائيل».

المفاوضات: احتمالات

وإذا كان الملف الرئاسي مقفلاً بالشعبويات ومطبّات التعطيل ومعلقاً على حبل الانتظار الى آجال بعيدة، الّا انّ الملف الجنوبي يبقى اكثر تعقيداً، بالنظر الى ما يحوم في اجوائه من احتمالات، تشهد تارة صعوداً في اتجاه التفجير، وتارة اخرى هبوطاً يعزز احتمالات التبريد.

على أنّ ثبات الصورة النهائية للملف الجنوبي، سواء في اتجاه التفجير او التبريد مرهون بمسار المفاوضات الرامية الى انهاء الحرب في قطاع غزة، وتأثيراتها المباشرة على جبهة لبنان. واللافت في هذا السياق، انّه على الرغم من اجواء التشاؤم التي غطّت على هذه المفاوضات في الايام الاخيرة، جراء تعمّد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إغراقها بشروط تعطيلية جديدة مانعة لبلوغ صفقة تنهي الحرب مع حركة «حماس»، فإنّ مصادر ديبلوماسية لبنانية تنقل «تأكيدات اميركية بأنّ مسار الصفقة سيشهد انفراجات في المدى المنظور».

وقالت المصادر الديبلوماسية لـ»الجمهورية»: «إنّ نتنياهو يضع شروطاً تعجيزية في طريق الصفقة، في محاولة واضحة لتحقيق مكتسبات يحصّن فيها وضعه السياسي، الّا انّ نقطة ضعفه تتجلّى في الاعتراضات التي يواجه بها من داخل اسرائيل واتهامه بتعطيل الصفقة وإعاقة إعادة الأسرى من قبضة «حماس»، وتتجلّى ايضاً في أنّ واشنطن وفق ما يؤكّد مسؤولون في الادارة الاميركية، عازمة على إنهاء الحرب التي طالت اكثر مما هو مقدّر لها، وفي هذا السبيل، وارتكازاً على مسألة اساسية وهي حاجة اسرائيل الى إنهاء الحرب في غزة، تدفع بقوة الى بلورة اتفاق سريع على صفقة تُنهي هذه الحرب، وتوقف المواجهات تلقائياً على جبهة جنوب لبنان، تتثبت بترتيبات حلّ سياسي معدّ اميركياً لهذه الجبهة، وسبق للوسيط الاميركي آموس هوكشتاين ان بحث في اطاره وعناوينه مع المسؤولين في لبنان واسرائيل. والاسابيع القليلة المقبلة حاسمة على هذا الصعيد».

الاحتمالات متساوية

على انّه في موازاة ذلك، تبرز مقاربة قدّمتها شخصية ديبلوماسية اوروبية في مجلس خاص، حول التطورات المرتبطة بملف الحرب والمفاوضات في قطاع غزة، وصولاً الى جبهة لبنان، تؤكّد «انّ احتمالات الحرب واللاحرب ما زالت متساوية».

وفيما بدت المقاربة الاوروبية منحازة بالكامل الى اسرائيل في حربها على حركة «حماس»، وتعكس توجّه اصدقاء اسرائيل كالولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وغيرهما على استمرار تقديم الدعم السياسي والمالي والتسليحي لها في هذه الحرب التي لا يُراد لإسرائيل ان تخرج بغير انتصار ملموس، وفي الوقت نفسه تؤيّد الجهود الرامية الى تحقيق صفقة تنهي الحرب.

وتخالف المقاربة الاوروبية القائلين بأنّ نتنياهو يماطل الى ما بعد زيارته الى واشنطن وخطابه امام الكونغرس في الرابع والعشرين من الشهر الجاري. مشيرة الى انّ موعد 24 تموز ليس نهائياً، حيث انّه قد لا يحصل شيء من الآن وحتى ذلك التاريخ. وربما لا يحصل شيء من الآن وحتى الانتخابات الرئاسية الاميركية وموعد تسلّم الرئيس الاميركي الجديد، وربما ايضاً حتى موعد انتخابات الكنيست في اسرائيل في العام 2025. واما السبب الأساس في ذلك، هو أن ثمة خطأ شائعاً يتردّد عن انّ البحث جار حول اليوم التالي لإنهاء الحرب في غزة، فيما انّ الصحيح هو اليوم التالي الذي يعني نتنياهو، الذي يريد ان يضمن اليوم التالي لإنهاء الحرب والمتعلق بحياته السياسية. وقبل ان يضمن نتنياهو يومه التالي من المستبعد ان يسهّل الطريق للوصول الى صفقة تنهي الحرب».

المصدر: الجمهورية

إخترنا لك

Beirut, Lebanon
oC
23 o