التسوية القادمة وخريطة طريق للحلول
كتب المحامي أحمد مطر:
على وقع استمرار الحرب التي يمكن أن تستمر لشهور أخرى، ما دامت خريطة الطريق لا تزال غير ناضجة، ولا تزال المفاوضات السرية غير مكتملة لتحديد كيفية إنهاء الحرب وإخراج الحل السياسي، بدأت في لبنان تظهر معالم مبادرات رئاسية داخلية ستواكب عودة اللجنة الخماسية في نهاية الشهر الجاري إلى الاجتماع .
ولكن مجريات التطورات الميدانية والسياسية تشير بأن الوضع الفلسطيني لن يعود إلى ما كان عليه قبل 7 أكتوبر- تشرين الأول، وأن وجود سلطة واحدة في الضفة والقطاع خطوة لا بد منها، استعداداً لخوض معركة حل الدولتين، التي لن تكون أقل شراسة من الحرب المدمرة على غزة، وتتطلَّب، وقبل كل شيء، وحدة السلطة الفلسطينية، ومركزية القرار الفلسطيني .
اليوم التالي في غزة يبدأ بتشكيل قوة عربية، دولية موقتة، تتولى متابعة تنفيذ انسحاب جيش الاحتلال من المناطق التي وصل إليها في الحرب، والإشراف على إدارة شؤون القطاع الأمنية والإغاثية، وإعادة الحياة إلى الإدارات المدنية، لا سيما الصحية، وتصريف الأمور اليومية للناس، خاصة بالنسبة لتوزيع المساعدات الغذائية والطبية.
ولكن المضاعفات التي أثارتها الحرب على غزة على مستوى المنطقة، من جنوب لبنان إلى البحر الأحمر، مروراً بسوريا والعراق، والمستجدات الأخيرة في الوضع الفلسطيني، تتطلّب الذهاب إلى مؤتمر دولي على غرار مؤتمر مدريد، بعد حرب تحرير الكويت عام 1991، يكون منطلقاً لمفاوضات حل الدولتين من جهة ويُعيد رسم خريطة النفوذ السياسي في المنطقة، وهذا بيت القصيد بالنسبة للبنان، الغارق في أزماته السياسية والمالية.
يفترض بانعقاد هذا المؤتمر أن يشكل عنصر ضغط إضافي على القيادات اللبنانية، السياسية والحزبية للتخلي عن خلافاتها، والمبادرة الى تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة قادرة، وكاملة الصلاحيات الدستورية، حتى تكون مشاركة لبنان فاعلة في الدفاع عن الحقوق الوطنية، والحفاظ على المصالح الاستراتيجية للبلد، الذي يبقي معنياً بشكل مباشر بترتيبات المنطقة.
وغني عن القول أن انعقاد هذا المؤتمر، في ظل التعثر الحالي في السلطة الشرعية، بسبب الشغور الرئاسي ووجود حكومة تصريف الأعمال، من شأنه ليس إضعاف الموقف اللبناني في المفاوضات فحسب، بل وأيضاً تراجع اهتمام المؤتمرين بالوضع اللبناني، وعدم إعطائه الأولية اللازمة لمعالجة مشاكله العالقة على الحدود الجنوبية، في حال عدم وجود سلطة شرعية قادرة على المشاركة في القرارات التي يمكن أن يتوصل إليها المؤتمر، في إطار إعادة ترتيب أوضاع المنطقة.
رهان بعض الأطراف السياسية والحزبية على نتائج الحرب في غزة، والعمل على توظيفها في معادلات الداخل اللبناني، ليس في محله، إذا كان ثمة حرص على حماية الموقف اللبناني إقليمياً ودوليآً في التسويات المطروحة، من خلال تصليب الجبهة الداخلية، وتوحيد الصف بمواجهة أية ضغوط خارجية طارئة على حساب المصالح الاستراتيجية للبنان.
البدايات المفجعة للحرب الإسرائيلية على غزة، أوقفت محركات الانتخابات الرئاسية، وجمدت مساعي اللجنة الخماسية، وتركت الخلافات على غاربها بين الأطراف اللبنانية، دون حصول أي تقدم يكسر الجليد المتحكم في العلاقات بين قيادات الكتل النيابية .
ولكن هل يتحمّل الوضع اللبناني المهترئ مثل هذا الجمود لفترة طويلة.
يبدو أن الأشقاء والأصدقاء في اللجنة الخماسية يحرصون على مراعاة ظروف لبنان أكثر من أبناء البلد أنفسهم، فقرروا العودة إلى إعادة إحياء المساعي، وتنشيط الاتصالات، عبر زيارة يقوم بها موفد اللجنة جان إيف لودريان إلى بيروت، بعد محطة في الرياض لإجراء مشاورات مع ممثلي المملكة في الخماسية.
المهم أن تتخلى الأطراف اللبنانية عن مواقفها المعاندة السابقة، وتفتح الأبواب المغلقة أمام التشاور والتفاعل في ما بينها، والتي أدت إلى تعطيل الانتخابات الرئاسية سنة وثلاثة أشهر، وفاقمت الانهيارات في البلد، بسبب غياب الإصلاحات، والعجز عن تنفيذ خطوات الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي والدول المانحة، كشرط اساس لتقديم المساعدات العاجلة، وانتشال لبنان من دوامة الأزمات التي أنهكت اقتصاده وأسقطت أكثرية الشعب اللبناني تحت خط الفقر.
ويشكل تحرك الخماسية المستجد فرصة جديدة أمام اللبنانيين لإنهاء الشغور الرئاسي، وتشكيل حكومة قادرة على استعادة الثقة بالدولة اللبنانية، والحصول على الدعم الخارجي المطلوب، خاصة من السعودية والدول الخليجية، وإطلاق ورشة الإصلاحات المنتظرة.
فهل ثمة من يتلقف تحرك الخماسية الجديد، أم أن تضييع الفرص أصبح من تقاليد الساسة اللبنانيين.