من "ما بعد بعد حيفا" إلى "ما بعد بعد القاسمية"؟!
عندما تعلن حماس بلسان جناحها العسكري أنها قصفت “جنوب حيفا” بالصواريخ “من لبنان” فهذا حتماً يعني أنها أسقطت قاعدة الاشتباك الشهيرة التي كان قد أعلنها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله تحت شعار “ما بعد بعد حيفا”.
السؤال هو: هل سترد إسرائيل على قصف “ما بعد بعد حيفا”، وفق تعبير نصر الله، بقصف ما بعد بعد نهر الليطاني، وهو أطول نهر لبناني ينبع من منطقة بعلبك في سهل البقاع الشرقي ويصب في البحر الأبيض المتوسط عبر منطقة القاسمية على بعد ثمانية كيلومترات شمالي مدينة صور و20 كيلومتراً شمالي الخط الأزرق الذي يفصل لبنان عن فلسطن المحتلة، و يبلغ طوله 170 كيلومتراً؟
إسرائيل حاليا تقصف القطاع الشرقي- الجبلي من مجرى الليطاني كما في بلدة يحمر الشقيف بقضاء النبطية وصولاً إلى أطراف إقليم الخروب بقضاء الشوف، لكن القصف “المؤلم والكابوس المؤرق”، وفق تعبير أحد المراقبين العسكريين المحليين، يتحقق إذا قررت إسرائيل قصف ساحل جنوب لبنان من مدينة صور إلى ما بعد مصب الليطاني في القاسمية على بعد 21 كيلومتراً عن الخط الأزرق.
علماً بأن حماس، أو أي تنظيم، لا تستطيع أن تطلق صاروخاً، أو حتى رصاصة من جنوب لبنان باتجاه المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل من دون إذن، كي لا نقول من دون أمر، من الحزب الذي يسيطر واقعياً على مجريات الحياة جنوبي نهر الليطاني على الرغم من انتشار الجيش اللبناني مع قوات اليونيفيل في منطقة عمليات قرار مجلس الأمن الدولي 1701 التي تغطي المنطقة الممتدة من الخط الأزرق حتى مجرى نهر الليطاني.
التطور الثاني المقلق الذي يربط مصير لبنان بإرتدادات ما يجري في غزة كان إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستحكم غزة بعد إنهاء حماس وحلفائها، وهو ما رفضته دول عربية تحت شعار “لا عودة للإحتلال الإسرائيلي” إلى غزة.
إلا أنّ مصدراً دبلوماسياً غربياً أكد أنّ الولايات المتحدة أبلغت إسرائيل رفضها لفكرة نتنياهو مشدداً على أن “غزة ستكون مجدداً تحت حكم سلطة فلسطينية لا تضم أي مكوّن إرهابي”. “Gaza would again be under the rule of a Palestinian Authority that does not include any terrorist component.”
ما يجب التوقف عنده هو عبارة “لا تضمّ أي مكون إرهابي” ما يعني أنّ واشنطن لا تمانع في إكمال الحملة الإسرائيلية حتى إنهاء حماس ومتفرعاتها كي تعود غزة تحت حكم فلسطيني وطني لا يضم تنظيمات مصنّفة في بعض الدول الغربية والعربية “إرهابية”.
كما كان مستشار الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين قد أعلن من بيروت أنّ الولايات المتحدة لا ترغب في أن ترى النزاع في غزة يتصاعد وينتشر إلى لبنان.
“The United States does not want to see the Gaza conflict escalating and spreading to Lebanon.”
ودعا هوكشتاين أيضاً إلى ما ذكرت النصوص الرسمية بالعربية أنه “تطبيق كامل” لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي يكرر لبنان “القول” إنه يحترمه ويلتزم به، علماً بأنه لا يستطيع تطبيقه على أرض الجنوب لأنه ينطلق من القرار 1559 الذي يدعو إلى تجريد الميليشيات من سلاحها وحلّها، وهذا ما لا يجرؤ لبنان حتى على النطق به لأنه يشمل حزب الله الذي يصنف نفسه “مقاومة” وليس ميليشيا، علماً بأنه لا يوجد في الدستور اللبناني أي ذكر لمفردة مقاومة التي يتناقض مفهومها ووجودها ودورها مع مفهوم ووجود ودور جيش في دولة سيدة.
وفي هذا المجال يذكر أنّ الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد رفض فكرة تأليف قوة احتياط تكون بمثابة جيش الحزب الحاكم، وأصر على أنّ أي قوة عسكرية في الدولة لا تكون إلا تحت قيادة الجيش، وهو تماماً ما فعله الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عندما تم تأليف “الجيش الشعبي” أثناء الحرب العراقية-الإيرانية ليكون جيش الحزب وقوة إحتياط من قدامى المحاربين فوضعه تحت إمرة وزارة الدفاع.
حتى في يوغوسلافيا السابقة في زمن تيتو فإن قوة الإحتياط الموزعة في أرجاء الدولة هي تابعة لقيادة الجيش وفي حال اندلاع حرب تلتحق قوات الشرطة بالجيش وتتولى قوات الإحتياط مهام الشرطة وحفظ الأمن الداخلي ومؤسسات الدولة وتبقى تحت إمرة الجيش.
فوفق أي صيغة إذاً تتمتع قوات “الحزب” بصفة مقاومة غير تابعة لسلطة الجيش النظامي أو أي مؤسسة رسمية في دولة تزعم بأنها سيدة في النص… غير المقترن بالتطبيق؟
ونعود إلى السؤال الذي يفرض نفسه: ما هو المصير الذي تصدّره سيول حماس غزة ومتشعباتها إلى لبنان الواقع بين “الإيراني داخل الدار والإسرائيلي على باب الدار”، وفق تعبير المصدر العسكري المحلي المتابع بدقة لما يجري من تطورات هي أقرب ما تكون إلى حرب عالمية ثالثة على رقعة مصغرة لا يمكن أن تنتهي بتسوية، بل بتقسيم إلى محورين كما انتهت الحرب العالمية الثانية التي هزمت النازية وأنهت وجودها ثم تفرقت إلى عدوين “باردين” هما الإتحاد السوفياتي وحلفه “وارسو” وأميركا وحلفها شمالي الأطلسي “الناتو”.
فعلى أي طريق سيجد اللبنانيون (اللبنانيون لا لبنان) أنفسهم؟ هل على “طريق الحرير” التي تضم روسيا وكوريا الشمالية والصين وإيران أم على “طريق الهند” التي تضم أميركا وأوروبا والعرب وإسرائيل عبر حيفا التي قصفت حماس ما بعد بعدها؟
سؤال أخير يطرحه المصدر العسكري المحلي: لماذا لا نشاهد تحركات شعبية مؤيدة أو متعاطفة مع غزة في دولة بشار الأسد؟ والأهم هو لماذا لا نشاهد أيًّا من الفصائل الموالية للأسد في لبنان تقاتل من الجنوب كما تفعل الفصائل الموالية لإيران، ولماذا لم نعد نشاهد فصائل إيرانية أو متحالفة مع إيران تقاتل إسرائيل من دولة بشار الأسد؟
بالنسبة لسوريا طريقها معروف منذ التخلي عن الجولان في 9 حزيران 1967 ولا داعي لسؤال الشعب السوري على أيّ طريق سيجد نفسه إلا إذا قرر أسياده تنفيذ ترانسفير سكاني يضعه في بلدات لبنانية يخليها أهلها الشيعة بفعل حرب سيول غزة ليلتحقوا بأولادهم الذين يحتلون بلدات النازحين السوريين في سوريا كي يتعزز إنسجام القوى المحلي لنظام يرغب بعض العرب باستعادته إلى حضنهم…
محمد سلام - هنا لبنان