التحوُّل من اقتصاد السلام إلى اقتصاد الحرب
شئنا أم أبينا، تحوّلت منطقة الشرق الأوسط من اقتصاد السلام إلى اقتصاد الحرب، وقد تحوّل جوّ المناقشات والتطبيع والتقارب وإتفاقات السلام إلى جوّ التدمير والتهجير والدم، وسيكون لها تداعيات خطرة على لبنان والمنطقة.
توقفت عقارب السلام التي كانت قد بدأت تتحرك في المنطقة العربية والشرق أوسطية، والتي كنّا نأمل في أن تصل إلى سلام شامل في المنطقة، ورجعنا أشواطاً إلى الوراء. في حين أن الهدف الآن هو وقف إطلاق النار، والحرب التي يدفع ثمنها الباهظ الأبرياء.
إن اقتصاد الحرب أولاً يُجمّد ويُهرّب كل الإستثمارات والمستثمرين، التي كانت بدأت تزدهر في المنطقة، وفي لبنان أيضاً. ولبنان من جديد، حتى لو أنه يعيش حتى الساعة حرباً باردة، فالتداعيات وعامل الخوف له النتائج عينها.
إن إقتصاد الحرب، يُوقف نهائياً الحركة السياحية، وكل التحرّكات من المنطقة وإليها. فالقادم إلى لبنان يؤجّل سفره، والمغادِر يخاف ألاّ يستطيع العودة إلى بيته. أما شركات الطيران فالواحدة تلو الأخرى، تلغي هبوطها في لبنان، حتى أنها لا تجرؤ على التحليق فوق المنطقة.
أيضاً إقتصاد الحرب، يدفع كل التكاليف، بدءاً من تكاليف التأمين وإعادة التأمين التي بدأت تزداد أضعافاً مضاعفة، وأيضاً أسعار النفط والغاز ومشتقاتها، لأن المصدّرين الأكبر هما في قلب عين العاصفة، وأيضاً أسعار النقل، التي ترتفع أيضاً. فهذا الجوّ الخطر، سيُفاقم التضخُّم الجامح الجاري، وسيرفع تكاليف الإنتاج وخصوصاً كلفة العيش ويزيد التدهور الإقتصادي والمالي والنقدي.
إن اقتصاد الحرب، يُنمّي ويزيد إقتصاد وتجارة الأسلحة، فتزداد صناعة أسلحة الدمار الشامل، وتنخفض صناعة المعدّات الإنمائية والإعمار وغيرها، في ظل غياب الثقة التامة في المنطقة. أما أسعار الذهب والفضة والمعادن، فمن المُتوقع إرتفاعها في ظلّ إقتصاد الحرب، لأن هذا الإستثمار هو ملجأ آمن في الحروب الراهنة.
فهذه المنطقة الشرق أوسطية التي كانت قد بدأت تشهد إزدهاراً في إقتصادها، وإنفتاحاً نحو العالم، وإعادة النموّ بعد جائحة كورونا، تتراجع أشواطاً إلى الوراء، في ظل شلل تام، في هذه الحرب الباردة في المنطقة حتى اليوم، لكن من الممكن أن تتحوّل إلى حرب ساخنة في أي لحظة، يُمكن أن تورّط كل البلدان المجاورة.
إن لبنان في عين هذه العاصفة الشاملة والمدمرة، ولم يُبلسم بعد جروحه، من أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية في تاريخ العالم، ولم يجف بعد دماء شهداء 4 آب، وها هو شبح الحرب يُحلّق فوق بلدنا من جديد، هذا البلد الذي كان يُصارع للبقاء، لإعادة الهيكلة والنمو، ها هو الشلل يضرب السوق مجدداً، مع مخاطر كارثية على حدوده.
في المحصّلة، إن الحرب الساخنة الجارية اليوم، هي أيضاً حرب باردة في كل المنطقة، ويُمكن أن تتحوّل في أي لحظة إلى حرب ساخنة، تجرُّ البلدان المجاورة. فالحرب والتوتر والمخاوف، حوّلت إقتصاد الإنماء والسلام إلى إقتصاد الحرب والتدمير والإنهيار. فعدنا أشواطاً إلى الوراء، وليس واضحاً بعد الطريق التي سنسلكها. إننا على مفترق طرق، إما هذا الإنفجار المظلم سيُؤدي إلى سلام شامل، وإما سيجرُّ المنطقة إلى حرب ودمار شامل.
فؤاد زمكحل - الجمهورية