"منقوشة" هوكشتاين و"كعكعة" عبد اللهيان
لو كانت العلاقات طبيعية بين واشنطن وطهران هذه الأيام، لكانت هناك صبحية «غير شكل» في المقهى المطل على صخرة الروشة. فهي كانت جمعت المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين ووزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان على ترويقة ضمت «المنقوشة» التي تغزّل بها البارحة المسؤول الاميركي. كما كانت ستضم كعك «العباس» الذي هو الخبز المبارك في أربعينية الإمام حسين. لكن هذا الافتراض هو ضرب من الخيال، بسبب الخصام بين الأنكل سام وولي الفقيه.
هل كانت مجرد صدفة أن يصل إلى بيروت تباعاً كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة ورئيس الديبلوماسية الايرانية؟
من بديهيات العالم الديبلوماسي أنّ هناك استطلاعاً يجرى قبل وصول شخصية بارزة إلى دولة اخرى، فيكون التوقيت ملائماً. ما يعني أنّ هناك احتمالاً أن يكون هوكشتاين علم بزيارة عبد اللهيان. كما يفترض أنّ الاخير علم أيضاً بزيارة المسؤول الأميركي. ما يعني أنّ نظرية «محور الشرّ» الأميركية ومثلها مقولة «الشيطان الأكبر» الايرانية وضِعتا جانباً.
من دلالة الصورة التي استهل بها هوكشتاين زيارة لبنان وجمعته مع السفيرة دوروثي شيا في المقهى البحري المطل على الروشة، عبارة : «من الرائع العودة إلى بيروت قهوة سريعة ومنقوشة...». فالزائر الاميركي وبصحبته سفيرة بلاده عندما شارفا عين التينة حيث اللقاء الأول له مع الرئيس نبيه بري، نظر إلى ساعته فوجد أنّ هناك متسعاً من الوقت قبل اللقاء. فاتجه الموكب لاحتساء القهوة وتناول المنقوشة.
عندما وصل عبد اللهيان إلى بيروت آتياً من دمشق. كانت كل الترتيبات معدّة كي لا تكون هناك فسحة وقت كيّ يعرّج المسؤول الايراني مثلاً على مطعم «الساحة» على طريق المطار القديم كي يرتشف الشاي ويأكل كعك العباس. إذ ليس في قاموس الديبلوماسية الايرانية، كما حال العالم الثالث قاطبة، أن يلهو كما يفعل الأميركيون في أوقات الفراغ. وفي أي حال، إنّ من أشهر خصائص الثقافة الأميركية أنّها تهوى البساطة، عكس ما هو متعارف عليه في سائر العالم الذي يعشق التجهم والتعقيد.
ماذا بعد هذه التفاصيل؟ من المؤكد أنّ توقيت زيارتَي هوكشتاين وعبد اللهيان أخذ بالاعتبار أنّ القصر الرئاسي ما زال شاغراً من آخر تشرين الأول الماضي. لكن لم يشعر أي منهما بأنّ هناك سبباً جوهرياً يحول دون قيام أي منهما بزيارة بيروت. لذا، لم يجد هوكشتاين ضيراً في أن يكون في الجدول الرئيسي لزيارته، لقاء وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض بديلاً عن الرئيس ميشال عون كما كانت الحال في العام الماضي. كما لم يرف لعبد اللهيان جفن وهو يدخل لبنان ويخرج منه برعاية «حزب الله». وكأن الجمهورية ورئاستها في الضاحية وليس في بعبدا.
في لعبة الأمم، تصبح «منقوشة» هوكشتاين و»كعك العباس» لعبد اللهيان أهم من الأرزة. هل نقول «صحتين»؟ هي «صحتين» على قلب الأميركي والايراني، لكن ليس على قلب لبنان.
أحمد عياش - نداء الوطن