من يبدأ منتصراً ينتهي مهزوماً
الحروب أشبه ما تكون بميادين سباقات الخيول. الحصان الذي ينطلق أولاً ليس هو غالباً من يفوز بالسباق ، أما الطرف الذي يطلق العملية العسكرية الأولى فقد يربح معركة أو أكثر لكنه غالباً ما يصل إلى الفصل الأخير من الحرب منهكاً لتنتهي به الحرب مهزوماً.
هذا ما أصاب نابوليون الذي هزمته ثلوج روسيا، وما أصاب هتلر النازي وموسوليني الفاشي بعد الحرب العالمية الثانية، وما أصاب فيتنام الجنوبية التي حاولت بدعم أميركي عام 1954 القضاء على فيتنام الشمالية الشيوعية.
حتى مدمن الثورة العالمية تشي غيفارا قتلته وشاية راعٍ في جبال الأنديز البوليفية إعتبر أنّ وجود ثواره قلل من در حليب ماعزه.
أما ثورة فيديل كاسترو في كوبا فقد إنتصرت في 31 كانون الأول العام 1958 لأنها كانت “ثورة” محلية أسقطت الرئيس الطاغية فولغينسيو باتيستا، ولم تكن “حرب تحرير من محتل أجنبي أطلق عليها إسم ثورة” .
إستناداً إلى ما سلف من أمثلة التاريخ الذي يعيد نفسه في دول العالم الثالث المتخلّفة يجري البحث في المصير المتوقع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي بحلول الذكرى السنوية الأولى يوم الإثنين الماضي لذلك الإنتصار الذي صفقت له الجماهير في حينه لتستفيق بعد عام من حلمها على كابوس حقيقي يكشف أنّ إنجاز اليوم الأول تسبب خلال سنة بخسائر مادية قدرت بـ 33 مليار دولار مضافاً إليها 83 ألف طن من المتفجرات الإسرائيلية التي قتلت نحو 42 ألف شخص وجرحت نحو 97 ألف من دون القدرة على تفصيل الخسائر البشرية بين مدنيين ومقاتلين، إضافة إلى تدمير 150 ألف وحدة سكنية كلياً و200 ألف وحدة جزئياً، وتحويل 80 ألف وحدة لأماكن غير صالحة للسكن، وفقاً لإحصاءات سلطة حماس.
يقارب عدد النازحين في قطاع غزة المليون و 900 ألف شخص من أصل إجمالي عدد السكان البالغ مليونين و 141 ألف شخص.
وماذا عن مستقبل حزب الله ومحور الممانعة في لبنان مع حلول الذكرى السنوية الأولى لإعلان حرب المساندة أو المشاغلة أو وحدة الساحات وما يشبه ذلك من الكلمات الرنانة التي تُفرِح إذا سُمِعت وتُبكي إذا جُرِبت، ومن لا يصدق فليسأل أهل الجنوب وسكان الضاحية.
بلغت خسائر لبنان في سنة حرب المساندة حتى يوم السبت الماضي، وفق ما أعلنه وزير الصحة فراس الأبيض ،1640 قتيلاً منهم 104 أطفال، 194 إمرأة و 8408 جرحى… وما زال يوجد قتلى تحت الركام ومفقودون وأشلاء.
وتجاوز عدد المهجرين من منازلهم في جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية 1،2 مليون نسمة والعدد يتصاعد يومياً، ولا يمكن إحصاء الدمار الهائل ولا الخسائر الزراعية إلا بعد توقف القتال.
السؤال الذي يتردد على ألسنة اللبنانيين بعد تجربة السنة المرة هو: متى تنتهي الحرب وننتخب رئيس جمهورية يشرف على خطة التعافي؟
إذ لن تجري إنتخابات الرئاسة قبل أن تتوقف الحرب على الرغم مما يتداوله الإعلام من معطيات تبشر بقرب إنتخاب رئيس يملأ الفراغ في رئاسة الجمهورية الذي يقارب عامه الثاني.
مع إحترامنا لكل المسؤولين والمحللين المحليين، وما يتناقلونه من تلميحات متفائلة عن بعض أعضاء اللجنة الخماسية المعنية بالشأن اللبناني، لا بد من الإعتراف بأن الحرب الجارية حالياً في لبنان وفلسطين ليست شأناً محلياً، بل هي شأن إقليمي بأبعاد دولية ما لا يترك مجالاً للقيادات المحلية مهما علا شأنها لتقرير حلول، أو حتى مسارات حلول.
وليس سراً أنه لم يتم التوصل، حتى الآن، إلى إتفاق محلي لتتم بموجبه الدعوة إلى إنتخابات رئاسية بجلسات مفتوحة من دون المرور ببدعة “التوافق” التي دس سُمها في الدسم اللبناني الإحتلال الأسدي وورثها عنه الإحتلال الإيراني.
وتعتبر قوى إقليمية مشاركة في الخماسية أن الإلتزام ببدعة التوافق الآن هدفه الحفاظ على حصة لحزب الله في إختيار الرئيس العتيد، ما يضمن للحزب بقية من دور في النظام السياسي اللبناني في حقبة ما بعد توقف الحرب وهو ما ترفضه الدول الساعية إلى إنهاء الدور الإيراني في الدول العربية التي يتحكم بمصيرها نظام الولي الفقيه.
وقال دبلوماسي يمثل في بيروت إحدى دول اللجنة الخماسية إن “محاولة إستباق صيغة نهاية الحرب وضمان حصة لحزب الله في تقسيمات النظام اللبناني ما بعد الحرب مرفوضة بالمطلق، وإذا كان بعض اللبنانيين يعتقدون أن بإستطاعتهم وحدهم تحقيق ذلك على الرغم من إعتراض المعنيين الإقليميين والدوليين، فليحاولوا وليتحملوا مسؤولية ما ستنتجه مغامرتهم.”
يتزامن هذا الخلاف في الرأي حول مستقبل لبنان مع تطورين عسكريين إسرائيليين تمثّل أحدهما بنقل جبهة الصراع في جنوب لبنان من القطاعين الشرقي والأوسط إلى القطاعين الغربي والساحلي بعد عملية إستطلاع بالنيران Reconnaissance by Fire أي تجسس بالنيران أجرتها القوات الإسرائيلية لإستطلاع أماكن تمركز قوات حزب الله وإمكانية تحقيق تقدم بري بدعم مدرّع.
الواضح لمن يعرف طوبوغرافيا الجنوب أن مسالك القطاعين الشرقي والأوسط لا تصلحان لإقتحام بري لأنها ضيقة ومحاطة بتلال تسيطر عليها قوة الرضوان.
وكانت آخر محاولة إسرائيلية لتجربة مسالك القطاعين في حرب تموز العام 2006 عندما أرسلت دبابات الميركافا إلى وادي الحجير، المشهور بوادي المغاور، فتم إصطيادها كالعصافير وتحويلها إلى توابيت لطواقمها وتم تدمير 6 دبابات وقتل عديد طواقمها الـ 24، وفق الرقم الذي إعترفت به إسرائيل.
يذكر أن طاقم دبابة الميركافا يتكون من 4 أشخاص: القائد، الملقم، المدفعي، والسائق .
نقل الجبهة إلى القطاع الغربي لا يعني بالضرورة شن هجوم بري من جنوب لبنان، لكن إنطلاقاً من تزامنه مع حظر إسرائيل إستخدام شواطئ لبنان من نهر الأولي شمال مدينة صيدا إلى الناقورة جنوبي مدينة صور قد يعني تنظيف سهول البر المشرفة على الشواطئ لتأمين عمليات إنزال ومشاركة البحرية الإسرائيلية في العملية الحربية لمحاولة إقتلاع جميع قوات محور الممانعة من جنوبي الأولي.
يبقى السؤال المحوري هو: كيف ستنتهي هذه الحرب وهل ستهاجم إسرائيل إيران وماذا ستستهدف؟
لا أحد يملك إجابة حاسمة عن هذا السؤال المركّب، ولكن يرجّح أن تهاجم إسرائيل إيران لضمان منع التوصل إلى تسوية للحرب بدلاً من تحقيق الهدف الإسرائيلي وهو إنهاء تام لوجود قوى إيران في المنطقة لمنع تجدد هذه الحرب ولو بعد حين.
ويعتقد بأن إسرائيل لن تهاجم أي هدف نووي للحؤول دون إمكانية تسرب إشعاعات، ولو ضئيلة، ما يستفز المجتمع الدولي والأميركي خصوصاً، بل ستركز على ضرب بنى تحتية ومراكز خدماتية ومحطات تكرير وضخ المياه وشبكة الصرف الصحي ومخازن النفط والغاز في محاولة لإشعال نزاع بين الشعب والنظام.
يقول الدبلوماسي الذي يمثل في لبنان إحدى دول الخماسية إن الحرب الحالية، في جوهرها تدور بين دولتين تؤمنان بالنصر المطلق لأن ما دونه بالنسبة إلى أي منهما، هو الهزيمة المطلقة.
لكنه يلفت إلى أن “أولوية النصر المطلق بالنسبة لإيران هي الحفاظ على بقاء Survival نظام الولي الفقيه الذي يبقى قادراً على تعويض المكتسبات الخارجية الظرفية المهدورة external circumstantial gains Lost ولو بعد حين.”
سألت: هل هذا يعني أن إيران ستتنازل عن دعم أتباعها غير الفرس؟
الجواب: My lips are sealed شفتاي مقفلتان.
محمد سلام - هنا لبنان