تسليم جنبلاط أمره لخصومه ليس مفاجأة.. بل "نهج"!
لارا يزبك
المركزية- لم يُفاجأ مَن يتابعون اللعبة السياسية المحلية منذ عقود، بموقف الرئيس السابق للحزب الاشتراكي وليد جنبلاط اليوم من المقاومة وعمليات الإشغال وصولا الى صاروخ مجدل شمس. فبحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ"المركزية"، ما يفعله "البيك" اليوم، يُشبه "البيك" تماما وينسجم مع تموضعاتٍ كثيرة مماثلة قرر اتخاذها في ظروف سياسية او امنية مماثلة الى حد ما، على مر تاريخه السياسي، حيث بات يمكن القول ان الرجل، كلّما شعر بخطر، سعى الى تحاشيه من خلال الالتصاق بمصدر هذا الخطر، بدلا من مواجهته او الاصطدام به.
اولى هذه التجارب الجنبلاطية كانت فور اغتيال والده كمال جنبلاط عام 1977. فبعد ان وجد نفسه بين ليلة وضحاها أُلبس عباءة القيادة الدرزية، ذهب الزعيم الجديد، المكسور برحيل والده، ومع علمه بهوية الجناة والقتلة، نحو مد اليد لهم، فزار دمشق والتقى الرئيس السوري حافظ الاسد انذاك، معلنا بعد سنوات انه اضطُر للقيام بهذه الزيارة لحماية الاقلية الدرزية بما ان النفوذ السوري في لبنان كان بدأ يقوى تدريجيا.
بعد ذلك، وفي العام 1982، وخلال الاجتياح الاسرائيلي للجبل وحصار بيروت، التقى جنبلاط شيمون بيريز في المختارة، وذلك بعد ان ابلغه انه موفدٌ من رئيس الاشتراكية الدولية فيلي برانت. على اي حال، يروي جنبلاط لاحقا انه اتصل ببرانت للتأكد من ذلك، فنفى ان يكون ارسل بيريز اليه.
في العام 2002، وفي وقت كان لقاء قرنة شهوان بدأ باتصالاته ولقاءاته مع القوى السياسية التي يرى ان ثمة امكانية للتوصل معها الى تقاربٍ ما، يتيح إخراج السوريين من لبنان وتطبيق اتفاق الطائف تطبيقا سليما، ومِن هذه القوى الحزب الاشتراكي، قرر ايضا جنبلاط، إثر حوادث 11 ايلول، ان ينعطف مجددا نحو دمشق، بعد ان شعر ان الظروف الداخلية والدولية، ليست جاهزة بعد لأي تغيير، سيما وان حملة تخوين ضده، من قِبل حلفاء سوريا في الداخل، كانت انطلقت.. فأقام جنبلاط في قصر المختارة مائدة غداء دعا اليها القيادة السورية التي شاركت ممثلة بنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام وغازي كنعان.
عام 2008، واثر احداث 7 ايار الدامية واجتياح حزب الله بيروت والجبل عسكريا، كلّف جنبلاط رئيسَ الحزب الديمقراطي طلال أرسلان التفاوض باسمه مع الحزب لإنهاء الاشتباكات. وقد أكد أرسلان أن جنبلاط اتصل به، طالبا منه التفاوض باسمه مع الحزب لتسليم مناطق ومخازن الأسحلة للجيش اللبناني.... وبعد هذا التطور، ابتعد جنبلاط عن فريق 14 اذار وتمايز عنه.
اليوم، ما يفعله جنبلاط، بالتصاقه بالمقاومة، وذهابُه بعيدا في دعمه لحزب الله في المعارك التي فتحها ضد اسرائيل منذ 8 تشرين الماضي من دون ان يستشير الدولة اللبنانية، وإصدارُه بيانا مسهبا مؤيدا للمقاومة بعد حادثة مجدل شمس، هو ايضا نتاج شعور الرجل بأن ثمة خطرا يتهدد بيئته يتطلب منه مرة جديدة، فعلَ الامر ذاته: التقارب ممّن يهدده.
عليه، تقول المصادر ان سلوك جنبلاط مفهوم تماما مِن اللاعبين الداخليين والخارجيين، وهو سلوك "جنبلاطيّ" بامتياز.. لكن كيف رد ويرد خصوم جنبلاط على "يديه الممدودتين" منذ العام 77؟ وكيف يقابلونهما؟ وهل رسالةُ الشكر التي قيل ان الامين العام لحزب الله وجهها اليه في الساعات الماضية، ستبقى صالحة اذا ما اختلف جنبلاط في المستقبل على اي تفصيلٍ سياسيٍ داخلي صغير، مع الحزب؟!