تحول في مسار المواجهة ...حرب اغتيالات وعمليات محدودة
جوانا فرحات
المركزية – كأن استراتيجية "طوفان الأقصى" العسكرية التي بدأت في 7 تشرين الأول 2023 وصلت إلى ما يشبه المحطة الأخيرة لكن عنوانها لا يزال مبهما بين الحرب الشاملة أو الحرب المحدودة وفي هذا التعبير أو التوصيف مغالاة إذ لا يمكن الرهان على مسار تطور أي حرب متى اندلعت شرارتها أو اللا حرب.
الإحتمال الأخير غير وارد. إلا أن حرب الإغتيالات، وهي حتما غير مستحدثة في عقل الجيش الإسرائيلي، بدلت مسار التطورات التي كانت تسير على خطى متأرجحة بين التهدئة عبر المفاوضات القائمة واستئناف العمليات. وجاءت عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران لتعلن بالمباشر عن وأد المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في غزة، وترفع من حماوة التوترات الإقليمية ونسبة المواجهة الكبرى في الشرق الأوسط.
قبل هنية جاء اغتيال الرجل الثاني في حزب الله والمستشار العسكري لأمينه العام حسن نصرالله فؤاد شكر ليفضح الإختراق المخابراتي داخل الحزب، واستكمل ذلك بعملية اغتيال اليوم الرجل الثاني بعد يحيى السنوار في حركة حماس محمد الضيف . من هنا بات السؤال الحتمي من التالي، وهل سيكون الرد على حجم الضربة المعنوية لحماس والحزب أم ثمة نقطة تحول في مسار المرحلة المقبلة؟
قد يكون الهدف الأول لإسرائيل وبنيامين نتنياهو استعادة "مفهوم الردع" لديها، الذي تعرض لضربة كبيرة في 7 تشرين الأول الماضي. والهدف الإسرائيلي الثاني إغلاق ملف مفاوضات الصفقة، على الأٌقل في المدى المنظور، في انتظار نتائج الانتخابات الأميريكية التي يعول على فوز حليفه دونالد ترامب فيها.
المؤكد أن الرد حتمي، لكن حتى اللحظة لا يمكن التكهن بالمواقع الأكثر حساسية هل تكون اليمن، أم العراق أم لبنان المدخل لتوسيع الحرب. ثمة ترجيحات بأن العملية العسكرية ستكون محدودة، ومنهم من يرجح احتمال حصول تغيير نوعي في استراتيجية الحرب بحيث تتحول إلى عمليات اختراق للصفوف العسكرية وحصول اغتيالات.وفي حال تدخلت إيران وستفعلها، إلا أن الرد سيكون مشابها للمرة السابقة لأنها حريصة جدا على عدم تحول هذه الحرب إلى شاملة مع إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء، وهي أساسا غير جاهزة للدخول في هذه المغامرة التي ستضعها في مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية مما سيؤدي إلى خروج فريق إدارة بايدن من البيت الأبيض ووصول دونالد ترامب.
أيضا هناك العنصر الإستراتيجي، فالأولوية لدى إيران هو الملف النووي وهي حتما لا تريد أن تخسر ما وصلت إليه في هذا المجال. أضافة إلى ذلك لا بد من الإشارة إلى الخلافات الإيرانية-الإيرانية في موضوع دعم حماس وحزب الله.
مما تقدم هل إن التهديدات المتصاعدة هي مجرد تصعيد إعلامي أم أنها جدية؟
الخبير العسكري المتقاعد العميد جورج نادر يقول لـ"المركزية" " لا أعتقد أننا وصلنا إلى عتبة الحرب الشاملة والمتوقع أن تستمر حرب الإغتيالات وقتل المدنيين مع إخفاق في المفاوضات.
وإذ يشير إلى أن حرب الإغتيالات ليست جديدة على إسرائيل وهي تعتمدها كلما سنحت لها الفرصة وتوافرت لديها المعلومات المخابراتية إلا أنه يرفض اعتبارها استراتيجية "فهذا المبدأ العام تعتمده إسرائيل من دون هوادة ويمكن لحركة حماس وحزب الله تظهير قيادات جديدة على الفور. إلا أن اغتيال القائد العسكري والرجل الثاني في حزب الله فؤاد شكر يشكل ضربة معنوية للحزب وانتصارا مخابراتيا لإسرائيل".
من الجائز أننا أمام تصعيد آخر في الحرب، لدرجة إمكانية مواجهة إقليمية أوسع. لكن إيران ستواجه صعوبة في عدم الرد على عملية اغتيال هنية التي وقعت على أراضيها ،أضف إلى أنها كشفت عن إمكانية استهداف المحور الإيراني ككل وقد شكلت مع عملية اغتيال شكر تحديا مباشرا لإيران ولاستراتيجية الأذرع التي تمارسها. وبات واضحا أن إسرائيل تُرغم القيادة الإيرانية والزعيم الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري على اتخاذ القرار حول ما إذا كانت وجهتهم نحو حرب شاملة مع إسرائيل أو أنهم سيقررون تهدئة الوضع تدريجاً.
" الواضح أن الحرب اليوم هي حرب مخابرات ومسيرات وقد كشفت عمليتا اغتيال هنية وشكر مدى اختراق صفوف الحركة والحزب لأن لا أحد يدرك بتحركات أي منهم إلا إذا كان لصيقا بهم". من هنا، يتوقع نادر أن يكون هناك تحول في مسار الحرب وليس المعادلة. فالغارة على الضاحية الجنوبية التي تشكل رمزية عالية لدى حزب الله لن تمر وقد قال نصرالله أنه في حال قصف الضاحية سنرد على تل أبيب والقدس. وعليه يرجح أن يتغير نمط العمليات بحيث تصبح أكثر عنفا وكلفة سواء في البشر والحجر لكن يبقى الرهان على مدى انجرار الولايات المتحدة لنوايا إسرائيل بإشعال الحرب وتغيير قواعد الإشتباك. فهل ستستثمر الضياع الأميركي الحاصل حاليا بعد انسحاب بايدن من السباق الإنتخابي وتلزمها على دعمها ؟
الرهانات تتوقف على الساعات المقبلة والتي يبدو أنها ستكون "حامية" إنطلاقا مما سيقوله حسن نصرالله اليوم في كلمته "والمرجح أنها ستتضمن إعلانا مباشرا بالرد على اغتيال هنية والضيف وشكر وسيعلن استعداد الحزب للحرب والسير بها حتى النهاية .لكن السؤال كيف ستكون طبيعة الرد وهل ستقتصر على أهداف عسكرية محددة أم ستشمل المدنيين والمرافق الحيوية والبنى التحتية في إسرائيل؟والأهم ماذا سيكون الرد الإسرائيلي على الرد؟ لا أحد يقدر أن يتكهن ولا يسعنا إلا الإنتظار والترقب" يختم نادر.